يسكن دبي منذ أكثر من عام إلا أن شقته الجميلة التي تطل على البحر لا تحوي غير سرير صغير (مؤقت) فقط في الغرفة التي ينام فيها، وهي الغرفة الوحيدة التي يعرفها،
أما باقي البيت فلم يجد الوقت الكافي لاستكشافه بعد..
عندما سألته عن سبب ذلك قال لي إنه لم يستطع أن يتفق مع شركة الأثاث - الذي دفع قيمته قبل أكثر من عام - على وقت مناسب ليوصلوا له الأثاث إلى البيت،
فعمله يفرض عليه أن يكون موجودًا فيه طوال النهار... وطوال الليل أحيانًا.
أمثاله كثر ممن يظنون أن العمل الشاق والمنهك هو وسام يعلقه الموظف على صدره، أو ميدالية ذهبية يفوز بها الموظف الذي لا يعلم أنه يعيش تمامًا مثلما كان العبيد يعيشون أيام الفراعنة...
فعلى الرغم من أن كل من شارك في بناء الأهرامات كان يجب عليه أن يشعر بالعز والفخر لأنه كان يبني أعظم بناء في تاريخ البشرية إلا أنه في كل الحالات كان يعلم أنه عبد ليس إلا.
كلما عدت من العمل متأخرًا - لأنني أحد هؤلاء العبيد أيضًا - يقول لي ابني سعيد: «بابا لا تذهب إلى المكتب مرة أخرى»
وكلما أتذكر كلماته وأنا في عملي أوقن أنني أغتال أجمل أيام عمري وعمره معًا.
يقضي الموظف منا معظم حياته في الوظيفة إلا أن ذلك قلّما يؤثر إيجابًا على حياته...
فما هي حقيقة العمل؟
والأهم من ذلك ما هي حقيقة الحياة؟
معظم الذين يعيشون الوظيفة يشربون قهوة سوداء (دون سكر) كل صباح، ليس لأنهم مرضى بالسكري بل لأنهم يعلمون أنهم سيصابون به حتمًا في يوم ما...
يشربونها سوداء لينعشوا ذاكرتهم التي خانتهم عندما حاولوا أن يتذكروا من هم أو بالأحرى ما هم..
يفتخرون بأنهم يتحدثون الإنجليزية..
والإنجليزية فقط، وإذا استرقت النظر إلى ملاحظاتهم التي يدونوها خلال الاجتماعات الطويلة تجدها بالإنجليزية أيضًا، حالهم في ذلك حال الغراب الذي حاول أن يقلد مشية العصفور فلم يفلح،
وعندما أراد أن يعود غرابًا لم يفلح أيضًا..
«إذا كنت تعمل لكي تعيش فاعلم أنك تعمل لتموت»
إذا كنت ممن يطيلون الجلوس في مكاتبهم بعد العمل فأنت عبد جديد..
وإذا كنت حين تضع رأسك على وسادتك تفكر بأحداث يومك في العمل فأنت عبد جديد..
وإذا كان أعز أصدقائك هو أحد زملائك في العمل فأنت لا شك عبد جديد..
الفرق بين العبيد الجدد والعبيد القدماء أن القدماء كانوا مرغمين على طاعة أسيادهم وتنفيذ أوامرهم..
أما العبيد الجدد فإنهم يظنون أنهم مرغمون على تنفيذ أوامر أسيادهم (مديريهم) إلا أنهم في الواقع ليسوا إلا عبيدًا لهذه الفكرة فقط،..
وهم أيضًا عبيد لأوهامهم التي تقول لهم إنهم سيكونون يومًا ما عبيدًا أفضل!!
نصيحتي الشخصية لك أن تضع لك هدفًا لتتوقف برغبتك عن العمل «تقاعد مبكر» بدلاً من أن يوقفك العمل برغبته هو أو يباغتك ما هو أشد.
ولن أنسى ما قاله أحدهم: «سأجلس مع أبنائي وأتفرغ لهم أكثر عندما أحصل على ترقية» وها أنا حصلت على مجموعة من الترقيات ولم يزدني هذا إلا بعدًا عن أسرتي وعائلتي».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق