( إذا إلتقينا يوم ولا عرفتيني … فلا عليكِ لوم شاب الزمن فيني ) … شاب
الزمن فينا ..لكنني عرفتك…عرفتك رغم خطوط عينيك .. واشتعال الشيب برأسك…فمن
بين خطوط عينيك وشيب رأسك سمعت سنواتي تناديني بصوت وهن ..ورأيت عمري يطل
علي ! أهذا أنت ؟ انت الذي كنت أتلعثم بإسمه . واتوارى خجلا عند رؤيته… انت
الذي كتبت له رسائلي بالسر وسهرت الليل اقرأ بالسر رسائله… انت الذي كنت
امر علي ابوابي بغير حاجة ..انت الذي كان حضورك فرحة لاتعادلها لديّ على
الأرض فرحة.. وهاهي الصدفة تقذفك في طريقي الآن كقطعة من عمر ..وهاهو
الزمان يعيدك اليّ في الطريق كطفل تاه من يدي في الزحام ..فهل يعيد الزمان
عمري إليّ ..هل يعيد قوة والدي وهو ينهاني عنك … .او حدة نظرة أمي وهي
تراني متلبسة في التحديق بك..او يعيد إلي صوت أخي وهو ينهرني لأتوقف عن
ثرثرتي المكشوفة بك.. كان حديثي عنك ثرثرة طفلة على أبواب الحلم .. وكأنك
كنت أجمل اكتشاف لطفلة قررت ان تكبر قبل رفيقاتها … فهل يعيد الزمان الذي
اعادك تفاصيلي القديمة إليّ..هل يُعيد غضب معلمتي وهي تلمحني سارحة الفكر
بك .. منهمكة بالكتابة اليك.. فأنت الحب الأخضر الذي نبت علي مقاعدي
الدراسية ..أنت الحرف الذي كتبته فوق درجي الخشبي وفي كراسة واجبي الصغيرة
.. انت الحرف الذي علقته سنوات في سلسلة مفاتيحي..فهل مازال حرفي في سلسلة
مفاتيحك…هل مازالت اشرطة اغنياتي المفضلات في خزانة سيارتك؟ ماتت تفاصيل
زماننا ياسيدي … وتغيرت طقوس الحكايات فيه … فلم يعد الحب ستر وسهر وأمانة
.. لم تعد في دفاترهم وردة حمراء ولا علي كتبهم قلب أحمر يحمل حروف أساميهم
الأولى .. مازلت دهِشة.. أحقا هذا أنت ؟ انت الذي فتح قلبي عينيه عليك ..
انت الذي علمني حبك الوقوف أمام المرآة … أنت الذي كبرتُ امام المرايا من
أجلك .. وخضت من أجلك تجربة فك الضفائر .. وتجربة الكعب العالي ..وتجربة
الفستان الطويل .. وتجربة الحناء وتجربة العباءة ..وتجربة العطور والبخور
والعود .. ..انت كنت أهم تجاربي للدخول إلى عالم الكبار ..فكنت اريد ان
اتخلص من طفولتي سريعا .. كنت اريد ان اكبر قبل رفيقاتي … اريد ان اختصر
المسافات بين طفولتي ونضجك … أهذا أنت ؟ أي صدفة قاسية تقذف بك في طريقي
كقطعة من عمر …في هذا العمر من العمر .. وكأن السنوات النائمة تستيقظ من
نومها فزعة …..ياالله ..فجاة كأن عمري تحول الي عش عصفور صغير ..نسفته بكل
سهولة ريح عابرة … فتبعثر أمامي بكل التفاصيل الدقيقة به .. التفاصيل
القليلة التي احتفظ بها منك .. فأنا لا أحتفظ منك بالكثير…. فأنت غادرت قبل
الهواتف المتحركة.. قبل المسجات.. قبل الوسائط المتعددة ..قبل
الايميلات..قبل وسائل التواصل الاجتماعي .. انت غادرت حين كانت تفاصيل
الحكايات تكتب في مذكرات صغيرة وتُقرأ بالسر بعد إغلاق المصابيح ..وأنت كنت
فارس حكاياتي في دفتر مذكراتي ..دفتري الذي أحرقته خوفا من عاداتهم..
وخوفا من رحيل مفاجىء تتعري فيه خصوصياتنا واسرارنا … ورسائلك كانت اكبر
اسراري .. كنت احفظها كبياناتي الرسمية ..كنت اخفيها في خزانة ملابسي.. إلا
رسالتك الاولى وضعتها في كتاب….ربما اكلتها اوراق الكتاب الإن…فأنا كبرتُ
لم أعد أذكر في أي كتاب أخفيتها عنهم ..انا كبرت وثقل عمري أكثر مما تتخيل
..لكني لم اشعر بثقل العمر إلا حين لمحت شعيرات ذقنك البيضاء… فاين افر
الان منك ..والبحر الذي كبرت عليه طفولتنا وتعثرت أقدامنا الصغيرة برماله
ابتلع رمال المدينة وتحول إلى جزيرة .. والصديقة التي كنت أحدثها عنك لم
تعد صديقة ! أين افر الآن منك .. و قد عاد الى أذني ضجيج كل الاغنيات التي
أحببتها من اجلك واستيقظت كل الأصوات في أذني ..الصوت الجريح …كوكب الشرق
..فنان العرب …. فيروز تردد ( نطرت ع بابي بليلة العيد .. مرؤوا كل صحابي
وحدك إللي بعيد ) أين أفر الآن منك ..وانت الذي وقفت علي بابي سنوات طويلة
لان مثلك لاتليق النوافذ به… فأنت كنت أغلى من طرق بابي …وأغلي من لم يُفتح
له !