الأحد، 19 أكتوبر 2014

صاحب الظل العزيز !

(ليس هناك أخوة لم تلدهم أمي …لكن هناك الكثير من الأصدقاء الذين تمنيتُ لو ولدتهم أمي…أولهم أنت ! )
**
أنت الذي لم تكن صديق بداياتي !
لم تكبر معي ولم تقاسمني العاب طفولتي  ولا أشعلت فتيل الألعاب النارية ليلة العيد معي!
 ولا تجولت في طرقات الحي القديم بصحبتي..
ولا قطفت معي حبات التوت من بستان جدي
 ولاشاركتني النظر الى وجه جدتي وهي تسرد علي حكاية ذئب ليلى..وأمير سندريللا !
ولاشاركتني طيش تفاصيل مراهقتي..ولا كتبت معي رسالة حب سرية .. ولا أخفيت معي الوردة الحمراء في كتابي المدرسي..
ولادسست لي بين الكتب مجلة نسائية نهتني والدتي عن قراءتها..
ولا أغلقت الأبواب لقراءة رسالة عاشقي الأول معي
..ولا سترتني لمحادثة رجل أحببته على غفلة منهم !
لم تفعل كل ذلك ..ولا كنت كل هؤلاء !
لكنك كنت صديق نضج !
صديقي الأقرب إلى مدني الداخلية …صديق مرحلة العمر التي يكون فيها الحزن بكامل قواه
 والحنين شجرة وارفة الظلال … كسدرة البيت العتيق !
المرحلة التي نكون قد حصدنا فيها الكثير من التجارب والكثير من الهزائم
والكثير من الإتكاسات والكثير من الأقنعة !
المرحلة التي نصل بها إلى منتصف أغلب الأشياء في حياتنا!
المرحلة التي يتبقى لنا فيها أنصاف الأشياء..نصف الحزن ونصف الفرح ونصف الحلم
 ونصف التفاؤل ونصف المبادىء ونصف الطيبة ونصف الدهشة
 ونصف القدرة ونصف القوة ونصف الصحة ..ونصف الرواية !
**
وفي هذه المرحلة الهامة من العمر ..والحرجة من الحلم أنت جئت !
جئت لتشاركني كل اهتماماتي … إهتماماتي الناضجة أحيانا !!
والحمقاء أحيانا أخرى ..والطفولية في حالات كثيرة !
جئت لتطلي جدران الصداقة باللون الأبيض
جئت لنغرس ثمار أحلامنا في أراضي أعمارنا !
أعمارنا التي كنا نظن انها ستنتظرنا لتمنحنا فرصة جني الثمار التي غرسنا!
لكن  بعد هذا العمر أتساءل أين أعمارنا؟
أين عمرك وأين عمري ؟
أين انصافنا الأخرى..الذين هيأنا  أجمل محطات العمر لإستقبالهم؟
أين أطفالنا… ليقاسموا أطفال رفاقنا اللعب ?
أين الذين صنعنا لهم من أرواحنا جسور عبور ..ليمروا إلينا بسلام ..فمروا عنا !
لماذا يرعبنا الآن رصد أرصدتنا ؟ لماذا يكسرنا الآن فتح سلات أعمارنا!
لماذا يرعبنا الآن التجول في الطرقات القديمة ..وإختبار جري المسافات الطويلة… والوقوف أمام المرايا؟
ومقابلة أصدقاء قدامى ..تحمل وجوههم خارطة أعمارنا ..
لماذا نتجنبهم كأن شهادات ميلادنا منحوتة على جباههم !
إحذر ياصديقي …تجنب كشف غطاء سلالك القديمة في هذا العمر!!
لاتعبث في البومات صور قديم ..ولا تتطفل على صناديق رسائل هجرتها في أجمل العمر!
فسلات عمرنا لاتحوي سوى أحلاما وهن أغلبها ..وهُزم!
**
فنحن لم نجني ياصديقي  من البياض سوى الهزائم!
نعم هزمنا ياصديقي بلاحرب
هزمنا بلازلازل وبلا براكين وبلا طوفان غاضب  !
هزمنا ياصديقي  .. لاننا هرمنا !
نعم هرمنا …وأعلم ..انه حديث العمر الذي تكره ..والذي كنت دائما أشاغبك به !
فأنت كنت ترفض زحف السنوات ..في الوقت الذي كنت أنا أستعجلها المرور !
لهذا كنت أنت لاتكبر …وكنت أنا أشيخ !
فأعمارنا الحقيقية تنبع من دواخلنا ..ونكبر ان كبرت هموم أعماقنا قبل أواننا!
**
لاتحزن ياصديقي …ربما لم نكبر …لكننا نضجنا . نضجناكثيرا!
نضجنا لدرجة إخفاء العابنا القطنية..لدرجة هجر طائراتنا الورقية !
لدرجة الخجل من القفز فوق الحبال!
لدرجة تجنب السير بلا أحذية فوق الرمال!
لدرجة صناعة أقنعة متعددة لمناسباتنا المختلفة
لدرجة تصديق ان المحال ..هو المحال !
نضجنا ياصديقي
ومازالت أحزاننا كهواياتنا متشابهة
مازال كلانا يحتفظ بصوت جدته في أذنيه !
مازال كلانا يبحث عن عطر جده في كف يديه
مازال كلانا يرى والده عظيما قويا شامخ القامة رغم انحناء الزمن !
ومازال كلانا يشعر انه غريب زمان رحل أحبته جميعا
وخلفوه نائما تحت شجرة مهجورة !
وإستيقظ بعد رحيلهم مرعوبا ..ينادي باكيا ..قافلة رحلت من دونه !
**
فأنا الأميرة المخلوعة من عرش الفرح !
الممتلئة بالحزن كمدينة مات كل سكانها بالوباء
وسكنت الرياح طرقاتها
وبقيت الطرقات والجدران شواهد !
وأنت العاشق الأبيض دائما !
كل قصص قلبك التي كنت تسردها علي
  كانت تشي انك عاشق أبيض لاتجيد التلون !
تبدأ الحكاية بنور…وتختمها بنور!
كنت راقيا ياصديقي… كفرسان القرون الوسطى !
كنت رومنسيا لدرجة العزف تحت شرفتها في ليلة شتائية غزيرة المطر !
لكنك كنت صادقا… لدرجة الفشل !
نضجنا ياصديقي و تغيرت أحزان العالم  ورومانسيته وهمومه كثيرا !
وأصبحت ثوراته أكبر من ثورة البسكويت ؟
أتذكرها؟ كانت أحزانك في نظري كثورة البسكويت  !
كانت تضحكني رغم مرارتها !
لكني كنت دائما اشعر ان في داخلك هزيمة ما ..إنتكاسة ما..
خذلان أحبة أحرق الجزء الأعظم من أحلامك..
أو سراب طريق أرهقك اتباعه !
لهذا كنت أخفيك أكثر من أسراري..
و أتابع أحزانك بيني وبين نفسي ترقبا لنهاية تهديك الفرح!
فحتى الذين وثقت بهم وحدثتهم عنك لم أحدثك يوما عنهم
كنت في نظرك انثى مثالية ..لاني لم أكن أستطرد في سرد هزائمي وإنتكاساتي عليك
كنت شديدة الحذر في سرد حكاياتي واحزاني امامك
كنت  دائما أحرص على بقاء الواني ناصعة في عينيك
كأنثى في بدايات حب !
رغم اننا ياصديقي لم نتقاسم حكاية حب
ولا وجبة حلم دسمة !
لهذا دمنا سنوات لم نفترق
ولهذا بقيت المسافات بيننا بيضاء لم تشوهها حماقات الحب ..ولم تحرق الغيرة أطرافها !
**
ولهذا اقتربنا كثيرا …وتشابهنا كثيرا !
تشابهنا في تتبع سير الزمان وعلامات اخره
تشابهنا في إرتداء الطفولة ..في تذكر فرحة ليلة العيد الأولى
في أمنية إرجاع الزمان إلى الوراء ..في الحنين إلى مقاعدنا الدراسية
في غُصة إبتلاع ذكرى الأربعاء وفرحة تصفح ماجد !
متشابهون نحن حتى في  مواقفنا السياسية  .. رغم إختلاف المواقف في وطنك عن وطني !!
كنا نعشق أوطاننا حد الثمالة!
كنا نكره السياسة التي تدمر الإنسان والأوطان !
***
صديقي ..قد تمر يوما من هنا !
لايهمني ان يعرفك الاخرون.. يهمني ان تشم أنت عطرك في الكلمة الأولي من السطر الأول
يهمني قبل ان أغادر الحياة ان أعلق على صدرك وسام صداقة رفيع المستوى!
بهمني قبل الرحيل ان أضع أمام عتبة بابك باقة ورد ..وبطاقة شكر بيضاء!
وعبارة يعقبها توقيعي (شكر صديقي الأخ ..وشكرا أخي الصديق)
يهمني جدا.. حين الوح مودعة ان لاتختلي بنفسك لتبكيني
فقلبك وأعرفه جيدا…لايجيد استقبال أنباء الرحيل بصمت!
ومثلك لايلوح  حين يلوح بلا بكاء!

بقلم/شهرزاد